ارتبط الإنسان منذ بدء الخليقة ارتباطا وثيقا ببيئته، حيث كانت الحياة اليومية تعتمد على الطبيعة المحيطة. وعلى الرغم من عدم وعيه بالمصطلحات المستحدثة في العصر الحديث مثل: بيئة مستدامة، إعادة التدوير، جودة الهواء وغيرها من المصطلحات؛ إلا أن ممارسات الإنسان قديما كانت تعكس سلوكا فطريا نابعًا من فهم عميق للتوازن البيئي.
وتندرج هذه الممارسات تحت مفهوم المعرفة البيئية التقليدية: (Traditional ecological knowledge، اختصارًا TEK). وهي معرفة شمولية تكونت لدى الإنسان عبر الزمن عن طريق الملاحظات والمشاهدات لطبيعة البيئة التي يسكنها، والكائنات الحية الأخرى. فتكون لديه سلوك تنظيمي منهجي، نتج عنه تلك الممارسات التي تُعد شاهدًا على براعته وقدرته على التكيف مع الظروف المحيطة واحترامه للبيئة.
لطالما كانت الممارسات المستدامة جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان السعودي قديمًا.
تمثّل ذلك في سلوك الفرد اليومي مثل: الاحتفاظ بالموارد المتاحة لديه لإعادة استخدامها لاحقا.
أو في سلوك المجتمع ككل، الذي قدّم بشكل عملي تجارب عملية مبدعة في إدارة الموارد النادرة. على سبيل المثال:
حفر الآبار
بناء السدود
لم يكن اختيارهم لأماكن حفر الآبار وبناء السدود عشوائيا، وإنما نتيجة ملاحظاتهم الدقيقة وتجاربهم العملية التي توارثوها عبر الأجيال، وتتمثل في:
مراقبة مكان تجمع المياه بعد الأمطار
مراقبة الوديان والشعاب، حيث أن وجود بعض الشعاب الرملية أو الطينية هي دلالة على تواجد خزان مائي تحتها. وكذلك وجود نباتات معينة تدل على مستوى قرب الماء من السطح.
الزراعة المطرية: تزرع المحاصيل اعتمادًا على مياه الأمطار فقط وبلا مصادر ري إضافية.
الزراعة المدرّجة: للحفاظ على المياه ومنع تآكل التربة الزراعية.
الرعي المتنقل: لحماية الغطاء النباتي من التدهور ومنح الأرض المزيد من الوقت لنمو الغطاء النباتي من جديد.
هذه التطبيقات العملية الناتجة من الحاجة للتكيف مع البيئة المحيطة وتسخير مواردها، هي نموذج حي لمفهوم الاستدامة من قبل أن يتم استحداث المصطلح في قواميس الأنظمة العالمية الحديثة.
مع نشأة الاقتصاد الصناعي في العقود الأخيرة، تغيرت جودة الحياة! تحولت العلاقة بين الإنسان وبيئته إلى استهلاكية قائمة على زيادة استنزاف الموارد الطبيعية، وعلى الرغم من مساهمة الاقتصاد الصناعي في تطوير صناعات جديدة ووسائل نقل، ورفع مستوى الإنتاجية إلا أن الثمن الذي تدفعه البيئة في مقابل هذا التطور هو ثمن باهظ.
التلوث الصناعي يؤثر بشكل مباشر على النظام البيئي الطبيعي. تشير تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ (IPCC) إلى أن الاعتماد المتزايد على استخدام الطاقة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري أدى إلى ارتفاع نسبة انبعاث الغازات الدفيئة، مما أدى بالتالي إلى رفع مستوى تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنسبة تزيد عن 40% مقارنة بالسابق.
منظمة الأرصاد العالمية الجوية (WMO) أشارت بدورها إلى أن زيادة الأنشطة الصناعية أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة العالمية. مما نتج عن ذلك ذوبان الأنهار الجليدية التي تحتجز حوالي 70% من احتياطات المياه العذبة في العالم. تعد هذه مؤشرات على ضرورة إعادة توجيه الوعي المجتمعي نحو تعزيز مفهوم الاستدامة من جديد، وتذكير المجتمع بضرورة توحيد الجهود نحو حماية البيئة وإعادة النظر حول كيفية تحقيق التوازن البيئي.
تولي المملكة قضايا الاستدامة البيئية اهتماما بالغا. وجاءت رؤية المملكة 2030 متبنية نهجا واضحا في الالتزام بالمحافظة على البيئة. تُرجم هذا الالتزام عبر عدة مبادرات أبرزها مبادرة السعودية الخضراء، والتي تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، والتشجير واستصلاح الأراضي، وحماية المناطق البرية والبحرية. كما عملت المملكة على تحديث منظومتها القانونية البيئية عبر اعتماد نظام البيئة 1441 هـ الذي تم بمرسوم ملكي رقم (م/165) وتاريخ 1441/11/19هـ ، لتحقق تحولًا نوعيًا في تنظيم العمل البيئي، عبر إطار تشريعي متكامل يضع حماية البيئة واستدامة مواردها الطبيعية ضمن أولويات التنمية الوطنية.
وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة، وتحملها المسؤولية الكبرى في حماية البيئة، إلا أن لكل فرد في المجتمع دوره. والوصول نحو تحقيق مفهوم الاستدامة يتطلب السعي وبذل الجهود في سبيل المحافظة على البيئة وحمايتها.
نؤمن في منصة بيئتي أن الاستدامة مسعى مشترك تتطلب جهدًا جماعيًا، وأن العمل المشترك هو السبيل لتحقيق مستقبل أكثر إشراقًا للأجيال القادمة.
العلاقة بين الإنسان والبيئة تشير إلى التفاعل المتبادل بين الإنسان وموارده الطبيعية. فمن جهة، يؤثر الإنسان على البيئة من خلال الأنشطة مثل الزراعة، والصناعة، والتوسع العمراني، مما يؤدي إلى تغييرات في النظم البيئية. ومن جهة أخرى، تؤثر البيئة على الإنسان من خلال توفير الموارد الطبيعية اللازمة للحياة، مثل المياه، والهواء النقي، والأراضي الزراعية.
الأنشطة البشرية تؤثر على البيئة بطرق متعددة، منها:
الزراعة والتوسع العمراني: تؤدي إلى إزالة الغابات وتدهور الأراضي.
الصناعة: تساهم في تلوث الهواء والماء والتربة.
استخدام الموارد الطبيعية: يؤدي إلى استنزاف الموارد مثل المياه الجوفية.
البيئة تؤثر على الإنسان من خلال:
توفير الموارد: مثل الغذاء والماء والهواء النقي.
التأثير على الصحة: التلوث البيئي يمكن أن يؤدي إلى أمراض تنفسية ومشاكل صحية أخرى.
التأثير على المناخ: التغيرات المناخية تؤثر على الزراعة والمناطق السكنية.
تواجه المملكة تحديات بيئية متعددة، منها:
ندرة المياه: قلة الموارد المائية العذبة.
التصحر: تدهور الأراضي وتحولها إلى صحراء.
التلوث: تلوث الهواء والمياه نتيجة الأنشطة الصناعية.
التغير المناخي: ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرها على النظم البيئية.
تتبنى المملكة عدة مبادرات بيئية، منها:
رؤية السعودية 2030: تسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة.
مشروع "الخط" (The Line): مدينة ذكية مستدامة تعتمد على الطاقة المتجددة.
استثمارات في الطاقة المتجددة: استثمار 8.3 مليار دولار في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح.
يمكن للأفراد المساهمة من خلال:
ترشيد استهلاك المياه والطاقة: استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة.
إعادة التدوير: تقليل النفايات من خلال إعادة استخدام المواد.
التوعية البيئية: نشر الوعي حول أهمية الحفاظ على البيئة.